يُعد تعاطي الاتحاد الأوروبي مع التدفق الكبير للمهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط إخفاقاً بكل المقاييس، ذلك أن الرد المنقسم الذي اتبعت فيه الدولُ الأعضاءُ سياساتٍ مختلفة، ورفضت دعم بعضها بعضاً، يُضعف حقوق الإنسان، ويعرِّض الأرواح للخطر، ويساعد على تأجيج رد فعل قومي قوي، غير أنه على الرغم من كل اختلافاتها، إلا أن سياسات بعض البلدان تقدّم إضاءات مفيدة حول شكل بعض المقاربات الجيدة.
لكن الاتحاد الأوروبي ليست لديه سياسة لجوء مشتركة، ويترك ذلك عموماً لأول بلد يدخله المهاجرون، وهو ما يضع عبئاً ثقيلاً وغير متناسب على عاتق الدول المتوسطية مثل إيطاليا التي تسببت فيها تكاليفُ عمليات البحث والإغاثة في استياء شعبي كبير. كما أن العديد من الدول الأعضاء ترفض وتقاوم قبول نصيبها العادل من المهاجرين، وخاصة في أوروبا الشرقية. وعلاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لا يقدم مساعدات لإدماج المهاجرين ضمن القوى العاملة لتلك البلدان التي ترحب بالعدد الأكبر من المهاجرين، إذ لا يخصص الاتحاد سوى 2.6 في المئة من ميزانيته لإدارة الهجرة والأمن.
والنتيجة هي فوضى سياسات غير منسقة، وتحفيزات تأتي بعكس ما هو متوخى منها، وعداء عابر للحدود – أي نقيض الغاية التي من المفترض أن يحققها المشروعُ الأوروبي. بيد أن ترك كل بلد ليقرر بنفسه سياساته الخاصة بالهجرة واللجوء لا يخلو من إيجابيات: ذلك أنه يسمح للجميع برؤية ما هو فعال وما غير فعال. ولنأخذ هنا على سبيل المثال، التعامل مع طلبات اللجوء الذي يُعد أحد أبرز المواضيع الخلافية التي تواجه أوروبا. فالمحاكمات السريعة والعادلة أساسيةٌ لضمان أن يصبح الأشخاص الذين يستحقون وضع لاجئ أعضاءً منتجين في المجتمع بسرعة، بينما يمكن إعادة من لا يستحقونه إلى بلدانهم بسرعة. وتُظهر إيطاليا وهولندا مقاربتين متضادتين في هذا الصدد، إذ تقدّر «مبادرة الاستقرار الأوروبي»، وهي مركز أبحاث، أن الشخص الذي تقدم بطلب لجوء في إيطاليا في أوائل 2018 من المحتمل أن ينتظر سنتين على الأقل إلى حين صدور قرار ابتدائي، وسنتين أخريين إلى حين صدور حكم استئنافي. وقد كان ثمة أكثر من 150 ألف طلب لجوء معلق في نهاية 2017. وفي غرفة اللجوء الخاصة في مدينة فلورانسا من المتوقع ألا تتم معالجة أي من طلبات الاستئناف التي رفعت في 2017 أو 2018 بنهاية هذه السنة.
وبالمقابل، تسعى هولندا إلى تزويد طالبي اللجوء بحكم ابتدائي في ظرف 17 يوماً، وقرار استئناف في ظرف 35 يوماً آخر على أبعد تقدير. ويتم البت في معظم طلبات اللجوء في أقل من شهرين، وعلى من تُرفض طلباتهم الرحيل في غضون 28 يوماً. وتمثل مساعدة المهاجرين على إيجاد عمل تحدياً كبيراً آخر. فوفق دراسة للاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن 62 في المئة فقط هي نسبة المهاجرين الذين من المحتمل أن يجدوا وظيفة على غرار المواطن الأوروبي العادي. كما أن الحوافز مهمة أيضاً – مثلما تُظهر تجربة الدانمارك وألمانيا في التسعينيات والألفينات. ففي الدانمارك، وفّر نظامُ تأمين البطالة تعويضاتٍ سخية دامت لفترة طويلة، ما قلّص دوافع ورغبة المستفيدين منها في الانضمام إلى القوة العاملة. وبالمقابل، قامت ألمانيا بحساب المزايا التي تمنحها للاجئين بناء على تاريخ عمل الشخص. وكان المهاجرون مؤهلين للاستفادة من المزايا لفترة قصيرة فقط، ما منحهم دافعاً قوياً للبحث عن وظائف.
وقد أثبتت المقاربةُ الألمانية أنها ناجعة ماليا، وفق دراسة «هولجر هينت» و«كلاوس زيمرمان» من «مركز آي زي إيه للبحوث» في بون الألمانية، حيث يقدّر الباحثان أن المهاجرين يساهمون، من خلال عملهم ودفعهم للضرائب، بـ35500 يورو كمتوسط في ميزانية الحكومة خلال حياتهم، وهو أفضل بكثير من المواطن الألماني العادي المولود في ألمانيا. أما في الدانمارك، فإن العكس هو الصحيح: ذلك أن المهاجرين كانوا يتلقون ما يصل إلى 93300 يورو، بينما كان الدانماركيون يساهمون بـ16600 يورو في المتوسط. والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى استراتيجية منسقة للتعامل مع المهاجرين. وفي غضون ذلك، هناك الكثير الذي تستطيع الدول الأعضاء تعلّمه من بعضها بعضاً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»